Skip to main content

Poetry | شعر

شاتم الدّهر في نهاية الأرض

CONTRIBUTOR
المساهم/ة
Golan Haji | جولان حاجي

ARTIST
الفنان/ة
نغم حديفه

WRITER
الكاتب/ة
جولان حاجي

TAGS
الوسوم
web-featured

PDF

SHARE POST
للمشاركة
CONTRIBUTOR المساهم/ة
Golan Haji | جولان حاجي

Golan Haji is a Syrian poet and translator with a postgraduate degree in pathology. He was born in 1977 in Amouda, a Kurdish town in the north of Syria. He studied medicine at the University of Damascus. He has worked as a translator from English and American literature, and has translated Robert Louis Stevenson's Scottish classic Strange Case of Dr. Jekyll and Mr. Hyde into Arabic. His first collection of poetry in Arabic, Called in Darkness (2004), won the Al-Maghut prize in poetry. His second book of poetry, Someone Sees You as a Monster (2008), was published during the event celebrating Damascus as the Capital of culture in 2008. His next collection, My Cold Faraway Home, was published in Beirut. He lived in Damascus until he had to flee his country, and has now settled in France. Golan Haji contributes regularly to the cultural press in Lebanon. He has participated in many poetry festivals in Syria and all over the world. جولان حاجي شاعر وكاتب سوري كردي، مقيم في فرنسا. نشر العديد من المقالات والدراسات والترجمات، الأدبية والفنية، في صحف ومجلات عربية وأجنبية.غيلان الصفدي فنان سوري مقيم في بيروت. قُدّمت أعماله، في معارض فردية وجماعية، في مدن مختلفة من العالم.

Golan Haji | جولان حاجي
Poetry | شعر

شاتم الدّهر في نهاية الأرض

كُتبت مسوّدة هذه القصيدة أثناء جولات مشي صيف 2022 في المقاطعة الفرنسية Finistère (حرفياً: «نهاية الأرض»)، ثم رُوجعت في سان دني شمال باريس، خريف/شتاء 2024. «شاتم الدهر» لقب شاعر عربيّ قديم، مجهول أو متخيَّل، لم يُعرف عنه غير بضعة أبيات يسبّ فيها الدهر، أوردها أبو العلاء المعرّي في «رسالة الغفران». 

تتحرّك الكلمات والصور في مكانين وزمانين متباعدين: للكلمات الحاضرُ في فرنسا، وللصور الذاكرةُ الأولى في سوريا، ماثلة في لوحات البورتريه المبكّرة للفنانة السورية نغم حديفه، المقيمة في باريس. اختيرت الأعمال بالاتفاق مع الفنانة.

هَبْ مَن لهُ شيءٌ يُريدُ حجابَهُ
ما بالُ لا شيءٍ عليهِ حجابُ
أبو تمّام

 


أين تُرى سأذهبُ؟
عمّن سأسألُ إذا رجعتُ، ومَن سأنتظر؟
 رأيتُ جمالاً كثيراً وأنا مُهان،
        أنازِلُ تلك النظرةَ الملقاة على غريب
              تسأله: «ماذا تفعل هنا؟»


غاضباً لسببٍ تافه في ليلةٍ مقمرة، قدّام بحرِ الظلمات، أقفُ وحدي على بياضِ الرمل، في ساحلِ النجمة، وفمي مليء بالشتائم. القمر فوقي ينقّل خطمه، هادئاً كالدبّ، بين عسلِ عيني وعسلِ قلبي— البدر جنوباً، سليطٌ وهجهُ النحاسيّ، في ضخامةِ أوّلِ الصعود، دانياً من وراء السروات مذهَّبات الرؤوس، ثم عالياً فوق قصورِ المصطافين ومراكبِهم الشراعية.


الموج يأتي من بعيد.
متى ألقى الذين أحبّهم؟
أسأبقى بعيداً حتى أموت؟

تفصيل من عمل دائري «توندو» قطره 3.39 م، منجز بتقنيات مختلفة على ورق الآرش، بعد أداء Les atours de la nuit الذي قدّمته الفنانة انطلاقاً من معلقة امرئ القيس، في معهد العالم العربي بباريس خريف 2019

عاد الخُطاة، راضين وحزانى بعد طُولِ إثم،
عادوا إلى بياضِ الذنوب،
         حُفاةً، عراةً، عمياناً في بياضِ اللحظةِ الساطع.
هدأ المستعجلون.
الآن، تحذرُ الخطوات جليدَ الذكريات —
            فُرِشتْ بهشيمِ الحصى، رُشَّتْ بملحِ الدموع،
                          ولم تذُبْ.


عائدٌ أنا
إلى خطاياي، وكبراها خوفي.


آهِ يا كلَّ تلك الأشياء التي لم تكُنْ شيئاً. 


كأيّ واحد في سوادِ الناس الذين لا يتعلّمون أبداً،
أفكّر بالقدوم من مكانٍ آخر لا أعرفه،
راجعاً، في المستقبل، إلى هذا المكان الذي أنا فيه،
متفقّداً ما آلتْ إليه مخاوفي: 


أزور بائعاً في كشك جرائد لأذكّره بارتباكي بين يديه منذ سنين حين سألتُ عن كُتيّب نسيتُ اسمَ مؤلّفه: «خرجتِ الصُّور فدخلَ الله»، ذابلاً أمامه بعذابِ الذكرى، مبتسماً كسجينٍ احترقتْ زهرةُ شبابه في السراديب، لجناياتٍ لن يستوعبها أيُّ عقل؛

«في المرسم»، ألوان ترابية وزيت على قماش، 2001-2002

ثم أسألُ السمّانَين التوأمَ عن حارسٍ لم أقلْ له «وداعاً» عندما غادرتُ المتجر؛


ثم أروي لبائعةِ الدجاج، ناعمة التقاطيع رقيقة الفم:
«فليطُلْ ما يطولُ هذا المطر.
في هذا النهار الصّعْب،
   لن أعذّبك بأنْ أستودعكِ سرّاً.
صباحَ يومٍ ماطرٍ بعيد، ناداني وجهك في زحامِ السوق فكدتُ أصارحك، وأنا لا أعرفك:
كم حننتُ إلى حجرٍ دفّأته شمسُ حزيران، حمى من الطيران ثيابي، المتروكة على حافّةِ البركة، لصق البئر في حقول السمسم والقثّاء، حين حاولتُ تعلّم السباحة، مظلّلاً بشجرةِ الكمّثرى الكبيرة، مطارداً بعينين مفتوحتين حبةَ بندورة تطفو فوقي في الماءِ البارد، عارياً كما ولدتني أمّي»؛

«بورتريه في كلية الفنون الجميلة بدمشق»، تقنيات مختلفة على كرتون، 2000.

ثم أقف، رزيناً ولبِقاً، أمام بقّالةٍ لم تفهمْ شدّة انفعالي حين استلطفتني، ولمّا نادتني لأني نسيتُ ورائي ما اشتريتُ، ملقىً بين باقاتِ الجزر والنعناع، تزعزعتْ قلعةُ الرمل التي شيّدها الفجرُ في قلبي، مخافةَ أنّ الناسي وَصْمتي المقبلة؛


ثم أسأل قاطعة التذاكر التي نسبتْ وجهي إلى غواتيمالا ولم تعرفْ اسمي، فتلطّفتْ بي بعدما نسيتُ محفظتي وأنا أستعجلُ اللحاق بالعرضِ الأخير لـ «أوكتوبر» إيزنشتاين— أدخلتني ببطاقتها صالةَ السينما الصغيرة، في تلك البلدة الصغيرة المطلّة على الأطلسي، مضيئة لي الطريق بمصباحها بضعَ خطوات، وبتربيتة على الكتف رهيفة كالنسائم أجلستني في الظلامِ العطُوف، الفارغ إلا منّي:
«تخيّلي! ما قضى أحدٌ من الذين أحبّهم منذ أواخر شباط الفائت.
 فلأكرّر على مسامعك أروعَ الخواتيم:
سنصير كلُّنا صوراً.
 أيُّ كلمة ستسعفك، الآنَ أو غداً،
أيٌّ ستسعفني؟
هل شوّهتنا الأفلامُ القديمة التي أبكتنا
 أم مقاطعُ الفيديو في أنهارِ الرعب الجارية بين أيدينا؟
 مَنِ الرابحُ إذا فاقَ إشفاقي عليك إشفاقَك عليّ؟»

«نهلة في المدينة الجامعية بدمشق»، ألوان ترابية وزيت على قماش، 2000-2001

ثم أنتظر دوري للمثول أمام فتاةِ الصيدلية التي تطوي الوصفات طيَّ الطفل أرضَ حديقة، فأناولها رسالةً غريبةَ اللسان:
«يا مَن قرطاك نرجستان صغيرتان
   بشعركِ المربوط كذيلِ الفرس
      تقفين وفي يدك كوب القهوة الورقيّ الصغير
        تدخّنين كلّ صباح، عند الساعة الثامنة،
          تحت أشجار الكرز، العاقرات الخمس، أمام بابنا
         وتشميّن معنا غمامةَ المساحيق
                              في هبوبها الدافئ
                        تنشرها عبر الزقاق شفّاطاتُ المغسلة العمومية
منتظرةً أنْ يرفعَ الصيدلانيّ، المالك الطويل، شبكةَ بابه الحديديّ
     لتنُفقي ساعاتِك تحت عينيهِ الراصدتين
         واقفةً حتى يكلّمك ظهرُك في المساء
             مبتسمةً بين الأضواء والرُّفوف
                 بأصابعكِ الطويلة
                  تناولين فقراءَ الحيّ عقاقيرَهم وتقيسين ضغطَهم،
 حيّيتُ بعينيَّ البنّيتين عينيكِ الخضراوين
            تحيةَ الغريبِ للغريبة
         محاولاً بما استطعتُ من رِفْق
           أنْ أردّ بابَ المبنى
                    لئلا يجفلك قفلهُ الآليّ حين يدوّي
لكنّ الريح صفقتْ بغتة كلَّ الأبواب
رجّتِ البيت—
واستني بالسقوط
 في كوبِ الماء المتروك على طاولةِ الباحة
زهرةٌ لا أعلمُ من أين أتت
زهرة تشبه قرطك»؛

«بورتريه في المدينة الجامعية بدمشق»، ألوان ترابية وزيت على قماش، 2000-2001

ثم أستفهم الإمبراطور بائعَ الأجبان، شامّاً كبشَ قرنفل في كوبِ النبيذ الساخن، العفنَ واليانسون، لأيّ سببٍ خاطبني باسمي، بنصلِ تلك النبرة الجافّة باترةِ الوضوح، حين قرأ كنيتي على بطاقةِ البنك؛


ثم أعرّج على بائعة الزهور، لأذكّرَها بما لن تتذكّره بتاتاً:
«الماءُ والظلُّ والبتلات ثلّجتْ يدك.
سأتناسى أنّ هذه وردةُ فرانكو الأثيرة،
وجارتُها في الإناء ضرّجتْ صدرَ سوهارتو»
فتراني لهنيهة معتوهاً لا يعبأ إلا بما يستحقُّ النسيان، شقاؤه الترّهات، دقائقُ لا يُبالي بحفظها، لحسن الحظّ، المؤرّخون والروائيّون والجواسيس…

«أمام النافذة في المدينة الجامعية بدمشق»، زيت على قماش، 2000 

بأيّ تعزيةٍ خرقاء واسيتُ المفجوعين؟
على أيِّ بريءٍ جنيت؟


ماذا أقولُ لأصدّقَ نفسي؟


شاغلُ الأيّام ما لا تُرجى من تذكّره أيُّ فائدة—
مبعثَراتٌ من لا شيء هنا، أو لا شيء آخر هناك.


آه يا أيُّها الهراءُ الذي فاتني تمجيده


مخيفٌ هذا العالمُ الجديد.
ماذا أقولُ لأكذّبَ نفسي؟


شممتُ بعد المطر وردةً ليستْ لأحد ومضيت،
فوددتُ لو جسدي ورائي
خفيف كهذا الضّوْع.


الصائبون الذين أنهضوني عن مقعدٍ ليس لي، المسافرون الجالسون قبالتي،
فنحنحوا حنجرتي وأخفضوا عينيّ (كأنّ صمتهم ازدراءٌ لهمسي تصويبٌ لصمتي)،
ما أسمعوني إياه متعمّدين رفعَ أصواتهم، أولئك الذين لم أعرفْهم قطّ، أين انتهوا؟
في أيّ محطة ترجّلتِ الصبيّةُ التائهة—
استرشدتْ بي فدللتُها إلى خطأ الجهات؟
كم، بين السُّهاة،
ضيّعتُ المخارج وأطلْتُ الطريق،
هم الراكضون وأنا اللاهث؟


كم صبرتُ على مواعظِ المُنْهَكين
 ينصحونني بالركض
أنا مَن يغضبه التأخُّر،
المرتاح بإلغاءِ المواعيد،
كلّ المواعيد


آهِ يا كلَّ تلك الغمزاتِ التي حيّرتْني مقاصدُها
     كلَّ تلك الضحكاتِ القصار التي أجبتُ السائلين عن أسبابها: «لا شيء»
آه يا صفيرَ تلك الكلمات
          السديدة كالطعنات على موائدِ الماضي،
                 مَن سيقودكِ كالسكارى
                      إلى سريرِ الموت؟


الشهوةُ أغلظتِ القلبَ والشفتين
والقُساة آتون ليلتهموا ما تبقّى
قاتلين باللذّاتِ كآبةَ العالم


آهِ يا أيّها اللاشيء العذْبُ الذي همستُ في أذن مَن أحببت—
                               في غرفٍ عاريةٍ من الأثاث
                                      علّمتني الصبر
                                   حين أمسى الحبُّ تهديداً—
ها أنا مسرعاً أمرُّ بما حلمتُ ولا ألتفت.
النُّساةُ محِقّون،
يُلقون على الحياةِ والموت نظرةً عابرة ويمضون،
لكنّي لا أتعلّمُ أبداً.


(إلى مارينا ستراخوفا)

«الستارة»، تقنيات مختلفة على قماش، ثلاثية 40×240 سم، 2018-2020
Author

Golan Haji is a Syrian poet and translator with a postgraduate degree in pathology. He was born in 1977 in Amouda, a Kurdish town in the north of Syria. He studied medicine at the University of Damascus. He has worked as a translator from English and American literature, and has translated Robert Louis Stevenson's Scottish classic Strange Case of Dr. Jekyll and Mr. Hyde into Arabic. His first collection of poetry in Arabic, Called in Darkness (2004), won the Al-Maghut prize in poetry. His second book of poetry, Someone Sees You as a Monster (2008), was published during the event celebrating Damascus as the Capital of culture in 2008. His next collection, My Cold Faraway Home, was published in Beirut. He lived in Damascus until he had to flee his country, and has now settled in France. Golan Haji contributes regularly to the cultural press in Lebanon. He has participated in many poetry festivals in Syria and all over the world.

جولان حاجي شاعر وكاتب سوري كردي، مقيم في فرنسا. نشر العديد من المقالات والدراسات والترجمات، الأدبية والفنية، في صحف ومجلات عربية وأجنبية.غيلان الصفدي فنان سوري مقيم في بيروت. قُدّمت أعماله، في معارض فردية وجماعية، في مدن مختلفة من العالم.

Golan Haji is a Syrian poet and translator with a postgraduate degree in pathology. He was born in 1977 in Amouda, a Kurdish town in the north of Syria. He studied medicine at the University of Damascus. He has worked as a translator from English and American literature, and has translated Robert Louis Stevenson's Scottish classic Strange Case of Dr. Jekyll and Mr. Hyde into Arabic. His first collection of poetry in Arabic, Called in Darkness (2004), won the Al-Maghut prize in poetry. His second book of poetry, Someone Sees You as a Monster (2008), was published during the event celebrating Damascus as the Capital of culture in 2008. His next collection, My Cold Faraway Home, was published in Beirut. He lived in Damascus until he had to flee his country, and has now settled in France. Golan Haji contributes regularly to the cultural press in Lebanon. He has participated in many poetry festivals in Syria and all over the world.

جولان حاجي شاعر وكاتب سوري كردي، مقيم في فرنسا. نشر العديد من المقالات والدراسات والترجمات، الأدبية والفنية، في صحف ومجلات عربية وأجنبية.غيلان الصفدي فنان سوري مقيم في بيروت. قُدّمت أعماله، في معارض فردية وجماعية، في مدن مختلفة من العالم.