جسدي مركبتي
جسدي مركبتي
أقودها كمراهق مستهتر
تصطدم بالآخرين، بالأرصفة
تجتاز الإشارة الحمراء في الثانية الأخيرة
فيهزّ شرطي الموت رأسه
أحيانا أفقد ملامحاً أو خصلة أو عضواً
ولا أجد قطع غيار في السكراب
خسرت شفاهي الفضية
وقلبي المغطى بالشحوم
وخسرت قبعتي المتحركة
ثم يدي اليسرى
التي أرى من خلالها الآخرين
مثل رجل كندي في أيام الاثنين
أشّغلها بهدوء وأجرف الثلج من حولها
أدعها تسخن وتصحصح
تستعيد حواسها
فلا مركبة تنهض من السرير
مستعدة لمواجهة الشارع
في الغرفة أدعها تحوم
كلما اختنقت الفكرة
تخدش أظافرها المهملة
خشب الأرض
بانتظار اللغة تخرج
والغصة تزول
ما الذي عليّ فعله بمركبتي هذي؟
لا يمكنني ركنها وهجرها في أي مكان!
حين أذهب للتسوق تحطم عجلاتي
السيراميك اللامع
وحين أنزل إلى البحر
تنغرس في الرمال
صغيرة وسمراء ومحطمة
زجاجها سجل الريح
وصوتها يتداعى في ساعة زحام
المهنة
لا أحد يسأل الروائي
"متى ستكتب قصيدة؟"
متى مثلاً سيكتب قصيدة
على البحر الطويل
كيف سيدلك ساقيها
كيف سيغرف بملعقة
أمواجها الوافرة
أو يطمرها بالرمل
كيف سيسرح مع ريحها السريعة
أو يجتث منها خفة البسيط
لا أحد يسأل الروائي
متى سيجد وظيفة
بدوام كامل
يأخذ الحياة بجدية
يتزوج ويخلف ويشتري بيتاً
يفعل أشياء تنفع البشرية
يدفع الضرائب
يستيقظ في الصباح
يضع حلمته في فم صارخ
يحضر سندويشة
يستقل القطار
يقضي يومه في المكتب
لا أحد يقول للروائي
احذر إنك تدنس تراثنا الأدبي
من سمح لك بكتابة قصة قصيرة
داخل قصة كبيرة
وما هذه الشعرية التي تعلفها
بين جملة وأخرى
أو في عنوان طويل لا يليق بمهنتك
لا أحد يعترض طريقه
وهو يأتي بناطحات نيويورك
ليضعها في القاهرة
أو يسرق معطف أوستر
ليرتديه في جحيم أغسطس
لا أحد يسأله من تلك الصهباء
التي تجلس في المقهى
وأين نجد هذا المقهى
الذي يطل على الميدان
والميدان محبوس
حتى
إدارة الجمارك
لا تستوقفه
لا تسأله عن التراخيص
التي بموجبها يستورد
تقنياته السردية
يضعها في علب محلية
يرصها في مكتبات المدينة
فيفوز بالبوكر
يذهب بالمعطف إياه إلى الحفل
يأخذونه إلى الصحراء ليستلم جائزته
يغرف بعلبته من بئر النفط
يغرف
يغرف
يغرف
حتى يثمل ويدوخ ويهيم بوجهه
لأيام
لأسابيع
ولا يعرف أحد مكانه
يجد نفسه في الوادي
ثم في الوادي يدخل كهفاً
وفي الكهف ينتظره
جالد بن ظل
يأخذه ويغطيه
يوشوش في أذنه:
في البدء.. كانت القصيدة
منى كريم
منى كريم شاعرة "بدون" ولدت في الكويت وتقيم في الولايات المتحدة. صدرت لها ثلاث مجموعات شعرية آخرها "ما أنام من أجله اليوم."