RR

سترة زرقاء لسجين وعامل وبحّار

تنشر مجلة فَمْ مقتطفات من «سترة زرقاء لسجين وعامل وبحار» (2024) بالتعاون مع منشورات «وزيز». 

 


 

-1-

يوم الجمعة يشبه أيام تقاعدي

سأجلس على المقهى 

مع شعر أبيض

وأيام ماضية

سيكون لديَّ كثير من الوقت

لأُفكِّر في كل ما حدث

مثل الآن

غير أن ساعتها

لن يكون ثمَّة وقت لفعل أي شيء

وهذا ما أُقنِع به نفسي الآن

أني متقاعد عن الفعل 

في يوم راحتي

وأن الحياة التي مرَّت

كانت أسبوعًا سيِّئًا.

 

-2-

كانت رائحة البحر

عالقة بملابسي

كبحَّار رجع من رحلة بعيدة

كانت قطة تتبعني

كانت تحلم بسمك في جيوبي

وأنا أعرف أن جيوبي خاوية

من السمك ومن النقود

فأنا لا أعمل بحَّارًا

لكني لم أُفسِد على القطة

حلمها

واكتفيت بخيبة أمل واحدة لي

من

جلستي على شاطئ البحر

أراقب السفن الراحلة

وهي تحمل أحلامي المُحبَطة.

 

-3-

بيد واحدة 

أستطيع رفع نصف طنٍّ من الحديد

بإصبع واحدة

بضغطة خفيفة من إبهامي

يرفع الونش الكهربائي الثقل

أنظر إليه وهو يرتفع في عجب

كيف أمكن لرجل ضعيف مثلي فعل ذلك؟!

لم ينتهِ زمن المعجزات

لذلك، أحيانًا، أضغط بيدي

وخاصةً الإبهام

على صدري

فقد يستطيع رجل ضعيف مثلي

أن يرفع ثقلًا من قلبه

الغلاف لآلاء البنان
الغلاف لآلاء البنان

-4-

في حياة تانية، كنت بحَّار عادي من اللي بيغسلوا سطح المركب أو يساعدوا في المطبخ ويلمُّوا الصحون من على الترابيزات. 

بس برضه كنت بتفسَّح وأشوف الدنيا، وفي كل مينا كان لي أجازة، وآخر الليل بشرب لمَّا ببقى طينة ويسحبوني معاهم على المركب.

وفي كل مرة كنت براهن إني أكسب في المصارعة اللي بتفرَّج عليها، كل مرة أنا والمُصارع اللي خسر بنرجع آخر الليل خسرانين، بس هو خسارته طافحة دم على وشُّه ومورَّمة جسمه، وأنا خسارتي مجرَّحة روحي.

 

--<>--<>--<>--<>--<>--<>--

 

زي مراكبي عطَّلته النوَّة عن ركوب البحر، راح وقعد على القهوة الصبح وهو بيفكَّر بكرة الجو يهدا والدنيا تروق، فيه رب في السما ورزق في البحر، إيده بس وهو بيشرب الشاي اتهزِّت زي ما يكون على المركب.

كنت قاعد على قهوة صيَّادين، وكانوا بيحضَّروا لرحلة صيد طويلة وبعيدة، وعندهم أمل يرجعوا منها بصيد كتير.

كانوا بيتكلِّموا ويتخانقوا على كل حاجة: المركب والأكل والشرب والعدَّة والرجَّالة، وكان فيه كلام عن إن الجو ممكن يقلب بنوَّة، وإن ده ممكن يكون خطر على مركبهم ورحلتهم.

كانوا بيجهِّزوا كل حاجة، وبيعملوا حساب كل حاجة، حتى خوفهم من النوَّة كانوا بيجهِّزوا ليه مكان على المركب وفي روحهم كمان.

كنت قاعد مشغول بيهم وبرحلتهم وبمركبهم وبالصيد اللي هيرجعوا بيه وبخوفهم من النوَّة.

كان نفسي أقول لهم خدوني معاكم حمولة زايدة من الخوف من نوَّة على الأرض، أنا اللي عمري ما ركبت البحر.

 

-5-

أنا لا أُحبُّ البحر

ولا أحلم أن أكون بحَّارًا

لكن هذا لا يمنعني

أن أركب سفينة تغرق

إلى الجهة الأخرى

من العالم

Contributor
أحمد عبد الجبار

شاعر وقاص مواليد 1974، يعمل ويعيش في الاسكندرية. صدرت له رواية «رجل يجلس على المقهى يشرب الشاى ويدخن الشيشة وينتظر فكرة» عن دار المحروسة (2009)، وديوان «هذه الشوارع لم تكن هنا من قبل» عن دار كلمة (2013). كما ساهم في الكتاب الجماعي  «ليس مصيفا في هوليوود» الصادر عن وزيز (2023).

Post Tags
Share Post
Written by

<p dir="rtl" style="text-align: justify;"><span style="font-weight: 400; font-size: 18px; font-family: 'Noto Sans Arabic', sans-serif; color: #000000;">شاعر وقاص مواليد 1974، يعمل ويعيش في الاسكندرية. صدرت له رواية «رجل يجلس على المقهى يشرب الشاى ويدخن الشيشة وينتظر فكرة» عن دار المحروسة (2009)، وديوان «هذه الشوارع لم تكن هنا من قبل» عن دار كلمة (2013). كما ساهم في الكتاب الجماعي  «ليس مصيفا في هوليوود» الصادر عن وزيز (2023).</p>

No comments

Sorry, the comment form is closed at this time.