أورسولا لي جوين المعروفة بأرسولة الجن | ترجمة بن كوربر
كلمةٌ افتتاحيّة للمؤلفة
من الوارد أن الناس في هذا الكتاب سيكونون قد عاشوا في مستقبل بعيد، بل بعيد جدًّا، في شمال كاليفورنيا.
ويتكوّن الجزء الأكبر من هذا الكتاب من أصواتهم وهم يتكلّمون بأنفسهم فيسردون السير ويعرضون التمثيليات ويقرضون الأشعار وينشدون الأغاني. بالنسبة لبعض المصطلحات غير المألوفة، فالرجاء أن يصبر القارئ حتى تتبيّن معانيها في الآخر. وبما أنني قد باشرت عملي هذا كروائية، فقد رأيت أن أضع معظم الشرح والإيضاحات في قسم سمّيته "مؤخّرة الكتاب"، بحيث يمكن للقارئ الراغب في المادة الروائية فحسب أن يتجاهلها، كما يمكن للقارئ الراغب في الشرح المفصّل أن يلقى مبتغاه. وعسى أن يكون المعجم الصغير مفيدًا أو ممتعًا.
من الصعب حقًّا أن تترجم لغة لم توجد بعد، لكنها صعوبة لا داعي لأنْ نبالغ فيها. فالماضي أيضًا يمكن أن يكون غامضًا مثله مثل المستقبل. وقد تُرجم "التاو تي-تشينغ"، ذلك الكتاب الصيني القديم، إلى الإنجليزية عشرات المرات، ويرى أهل الصين أنفسهم أنه من اللازم أن يترجموه إلى الصينية من جديد مع حلول كل عصر فلكي جديد. ومع ذلك فالترجمة لا تستطيع أن تنقل إليها الكتاب كما دوّنه "لاو تزي" نفسه، بل من الوارد أنّ هذا الشخص لم يكن موجودًا أصلًا. لدينا فقط "التاو تي-تشينغ" الذي يوجد بيننا هنا، الآن. هكذا هو الحال أيضًا مع ترجمات لأدب من المستقبل، أو مستقبل ما، كونه لم يُكتب بعد، لا بل غياب نص قابل للترجمة، لا يفرق كثيرًا. فما كان، وما يمكن أن يكون، مثله مثل أطفال لا نرى وجوههم، يرقد بين أحضان الصمت. ليس لدينا سوى هنا، الآن.
تقرير حول اجتماع في شأن "المحاربين"
تم إيداعه في أرشيف" القطلب" في بلدة "الوقواحة"، وفي "البورصة" من قبل "الرجل الدبّ"، عضو "محفل الأطبّاء" من جهة "الطوب الأحمر" في "طليوت الناع".
بيان مطبوع تمّ توزيعه في جميع البلدات:
سوف يجتمع ناس من "وهاد الأحوار" في اليوم الحادي بعد المائتين من أجل البحث في شأن "محفل المحاربين". نحن سنكون هناك: "رابط الجأش" من "قمنطوشة"، و"يختار" و"السرو الأحمر" من "طليوت"، و"الفرس الأشهب" من "شلماس".
ما قاله "رابط الجأش"، المندوب من "ثعبانيّة قمنطوشة الناع"، في الاجتماع:
قد لا يتّفق الناس في "محفل المحاربين"، ولا الناس في "محفل الحَمَل" مع ما سأقوله. إنّهم سينكرونه، وسيكون بيننا جدل وخلاف. ولأن الكثير منّا يتفادى الجدل ويتجنّب الخلاف، فلم نقل بعد ما سأقوله، وهذا تقصير وتهاون منا. وقد حان الوقت، في هذا المكان، لنتكلّم صراحة في هذه الأمور. أقول الآن:
إن "أهل الكندور"، أولئك الرجال الذين جاؤوا منهم إلى هنا، مرضى. رؤوسهم مدارة إلى الوراء. لقد سمحنا لأناس بالدخول إلى دارنا وبهم الوباء. كان من المفترض ألا نفعل ذلك، ولن نفعله مرّة أخرى. لكن اسمعوا! الناس في "محفل المحاربين" قد انتقلت إليهم العدوى، وكذلك بعض الناس في "محفل الحمل". إنهم مرضى. لعلّهم يقبلون العلاج، لعلّهم يقبلون الشفاء. وإنْ لم يقبلوا–إذا رغبوا في العيش، هكذا، مرضى–فعليهم أن يذهبوا إلى حيث المرض، إلى تلك البلاد التي أتى منها أولئك الناس، في "الحَرّات" الواقعة إلى شمال "نهر الظلمات"، وأن يبقوا هناك. هذا ما أقوله، هذا ما اتفق عليه الناس الذين جاؤوا معي، والذين أتكلّم نيابة عنهم.
ما قاله أناس آخرون:
- أربعة أشخاص سيغلقون "الوادي".
- أربعة أشخاص سيفتحون نقاشًا.
- من هم المرضى؟ المرضى هم الناس الذين يتكلّمون عن طرد الناس من بيوتهم، من بلداتهم، من "الوادي"! هذا كلام مريض!
- نعم، من هم المرضى؟ المرضى هم الناس الذين يخافون القتال!
- من طبيعة المرض ألّا يعرِف نفسه. الجهل هذا هو المرض عينه.
- إنّ قولك هذا يأكل نفسه! إذا كان المرض هو ألا تعرف بأنك مريض، فكيف تعرف بأنك لست أنت المريض؟
- يا سيدي، إذا كان مريضًا ستقول له ذلك بلا شك. ستجعل منه "محاربًا"، وتنفث في وجهه دخان التبغ، وستعطيه اسمًا مريضًا: "بؤس"، أو "نتن"، أو "إسهال"!
- اسمع، أنت تهذر في الكلام. الغضب لا فائدة منه. لا يمكنك أن تعرف ما هو المرض إلا بعد أن تتعافى. الضعف يرى نفسه قويًّا، لكنّ القوة ترى نفسها ضعيفة، والمجد يرى نفسه دنيئًا، وصانع السلام يرى نفسه محاربًا. اسمع: وحده المحارب بإمكانه أن يصنع السلام.
- لا أحد يصنع السلام. السلام يكون، أو لا يكون. من أنت حتى "تصنع" السلام؟ أجبلٌ أنت؟ أو "رجل قوس القزح"، أو "ذئب القيوط"؟
- اهدؤوا يا ناس. أريدكم أن تسمعوا، أن تسمعوني. لا أخجل من كوني "محاربًا"! أنتم تريدونني أن أخجل من هذا، لكنه غير ممكن. فلقد وجدت في "محفل المحاربين" ما كنت أحتاج إليه من القوة والعلم، ولعمري، إني شاركته إياكم إن كنتم تقبلون.
- أنا أيضًا لا أخجل من كوني "محاربًا"! بل إنه من دواعي الفخر والاعتزاز! أنتم يا ناس، أنتم ناس مرضى، إنكم تموتون ولكنكم لا تعلمون. تأكلون وتشربون فترقصون وتتكلّمون ثم تنامون وتموتون وأنتم لا شيء، مثلكم مثل النمل أو البعوض أو البرغوث، حياتكم لا تساوي شيئًا، ولا تصل إلى أي هدف، تذهب وتعود ولا تؤدّي إلى شيء! أما نحن فلسنا بحشرات وإنما أناس من البشر. فإننا نخدم في سبيل هدف أعلى وأسمى.
- شنو؟ شنو الهدف هذا؟ هدف متاع شكون؟ اسمعوا يا ناس. أهاوا "الراجل الكبير" يحكي! أهاوا فُمه في قفاه يحكي! "آنا نخدم، آنا ناكل خرا" هكاكا يحكي "الراجل الكبير" ومعناته "ما فما خير مني، راني باش نعيش إلى الأبد، ايا برا كولو خرا"!
- طب لو انتو يا فالحين كنتو تفتكرو ان احنا تعبانين، ماقلتولناش نروحو "محفل الأطبا" ليه؟
- مانتو عارفين، الدوا اللي مش مرغوب فيه، يبقى مش نافع برضك!
- عليكم أن ترقصوا لكي تصبحوا رقّاصين.
- وعليكم أن تحاربوا لكي تصبحوا "محاربين"!
- تحاربون من؟ أمهاتكم؟
- ليس "محفل المحاربين" الذي وافق على دخول "أهل الكندور" والسماح لهم بالبقاء هنا والعودة من جديد. وحينما يعودون، سنكون مستعدّين لطردهم وما أنتم بمستعدّين. فلماذا نحن "محاربون"؟ لأنهم بدؤوا حربًا. أنتم الذين سمحتم لهم بالدخول والخروج كيفما شاؤوا، والآن تتكلّمون عن المرض وتعيبون الناس وهم ناسكم. لكنكم لم تستمعوا إلينا، إذ كنا نقول من البداية إننا سنطردهم ونبعدهم عنا. والآن، تقول إنك تريد أن تفعل هذا أيضًا.
- نعم، أقول ذلك، ولكنني لا أقوله كـ"محارب".
- وكيف ستقابل "أهل الكندور" إذاً؟ أبالغناء والرقص؟
- ليس بعود ثقاب تنطفئ النار أيها المحارب.
- القوة فقط تقدر أن تهزم القوي أيها المتكلّم.
- يا "محارب"، إذا كانت الحرب هي ما تريدون، فعليكم أن تخوضوها وأنتم تحاربون ضدنا نحن، ضد ناسكم أنتم، وناس حقولنا وحظائرنا، ضد الناس المتوحّشين، ضد كل شجرة في بساتيننا وكل كرمة في كرومنا، ضدّ كل سويقة من العشب وكل ذرّة من التراب في "وادي الناع". هذه هي المعركة الأولى في الحرب. فقد تركتم أنفسكم تمرضون بـ"مرض الإنسان"، وتريدون أن تجعلونا مرضى أيضاً. والآن: عليكم أن تختاروا إن كنتم ستغدون من المقتولين، أو المعالَجين، أو المطرودين؟
هذا ما قاله "رابط الجأش" وأناس آخرون:
الحجر ينطق بذلك الصوت. الأرض و"النهر" يتكلّمان بتلك الكلمات. "الأسد" يتكلّم، و"الدبّ" يحكي. اسمعوا!
وصف لما جرى بعد ذلك:
بعد خطبة "رابط الجأش" هذه، توقّف النقاش لحظة طويلة لأن أناسًا آخرين بدؤوا يتوافدون إلى الاجتماع.
ثم في المساء، تقدّم الناس من جديد ليتعرّضوا لأمر "محفل المحاربين"، مدحًا وهجاءً، كما ناقشوا ما قاله آخرون. ثم استمرّ الاجتماع أربعةَ أيام والناس يغدون ويروحون بطعام من البلدات فيشاركون الطعام مع نزلاء "وهاد الأحوار". كثر الكلام في روح الإنسان وعقله، وفي المرض والقداسة، كما أميط اللثام عن خفايا وأسرار محفلَيْ "المحاربين" و"الحمل"، وتمّت مناقشتها على الملأ وقبل أعضاء هذين المحفلين نفسيهما، فانكشف المخبّأ وبان المستور. فقال الكثير من الناس، بعد أن سمعوا هذه الأشياء، بأن عقول "المحاربين" مريضة حقًّا. وتقدّم بعض "المحاربين" وتنازلوا عن عضويتهم في المحفل، وخاطبوا بشجاعة وحماس.
وقال بعض الناس في "محفل القطلب"، وقالت معهم "تمشي قدمًا" من "ثعبانيّة الوقواحة" وهي المتحدثة باسم تلك "الدَيُّومَتْ"، بأن ما يُؤتى في السر يُستحسن عدم إنكاره في العلن، وأن الانتهاء من أمر ما معناه تركه والابتعاد عنه. وهدأ النقاش بطريقة أو بأخرى، فبدأ الناس ينخرطون في رقصات طبل طويلة، حيث أن أناسًا كثيرين قد تجمّعوا هناك، وكان الجو قد لطف وطاب، فتحرّكت المشاعر وتأجّجت الأحاسيس، كما حضر عدد من الطبّالين المميزين. ومع ذلك كله، بقي ما يزيد على مئة رجل وامرأة يتمادون في التمسّك بطريقة "المحاربين" والتغنّي فيها. فباسمهم تحدّث "جمجومة" من "طليوت الناع":
خطبة "جمجومة":
تقولون بأننا مرضى، مرضى بمرض عضال، وبأننا بمرضنا هذا نموت. تقولون بأنكم تخافون مرضنا. ولعلّكم على حق. ولكنني أقول: مرضنا هو إنسانيتنا. أن تكون إنسانًا هو أن تكون مريضًا. الأسد بخير، الباز بخير، البلوط بخير، يعيشون ويموتون وهم في عناية القداسة فلا يحتاجون للعناية. أما نحن فقد سحبت القداسة منّا عنايتها، فيما تعيش عناية القداسة فينا. إذًا، فإننا نعتني بكل ما نفعله، ونبلغ قصارى جهدنا في الحذر والاعتناء، إلا أننا لسنا بسالمين. لسنا بأسوياء، طريقتنا ليست سوية. وأن تنكر ذلك هو حماقة بلا حذر، بلا اعتناء! تقولون إن الإنسان لا يختلف عن سائر الحيوانات والنباتات، تسمّون أنفسكم أرضًا وحجرًا. فتنكرون بأنكم من تلك الصحبة لمطرودون، وتنكرون بأن روح الإنسان لا دار لها في الأرض. وإنما تلعبون، وتشيدون بيوتًا من الرغبة والخيال لا يمكنكم أن تقيموا فيها فهي لا تستقيم. وإنكم على إنكاركم، وكذبكم، وتنعّمكم ستعاقَبون. ويوم العقاب هو يوم الحرب. بالحرب فقط يكون الخلاص، والمحارب المنتصر فقط من سيعرف الحقيقة، ومن يعرف الحقيقة سيعيش إلى الأبد. فإنه في مرضنا تكون صحّتنا، وفي الحرب سلامنا. ولا عماد لنا سوى "دارٍ واحدةٍ فقط"، واحدة فوق الناس جميعًا، هي الدار التي لن تجدوا خارجها صحةً، ولا سلامًا، ولا حياةً، ولا شيئًا!
بعد خطبة "جمجومة":
لم يردّ أحد، بطريقة مباشرة على خطبة "جمجومة". بكى البعض، وتوجّس البعض الآخر. كما غضب بعض الناس غضبًا شديدًا لسماعهم شخصا يقول مثل هذا الكلام. ولما التهبت المشاعر إلى هذه الدرجة، آثرَ "رابطُ الجأش"، و"تمشي قُدُمًا"، و"سَبَج من سيدوك"، وآخرون ممن كانوا يديرون النقاش، الصمتَ على المواجهة تفاديًا للعنف، إلا أن مغنّية من "بهلوانات الدم" من "شقاشوق" جعلت تغنّي:
"هي الواحدة التي خارجها لا شيء
لا شيء سوى نساء وذئاب القيوط …"
أو
"هو ده، هو ده البيت اللي برا حيوطه
مفيش غير الستات وديب القيوطه"
قالت لها "سبج من سيدوك" أن تبطّل غنوتها دي، ففعلت، لكنّ أناسًا كثيرين تلقّفوها وغنّوها فيما بعد. ثم تكلمت "تمشي قُدُمًا" مع "جمجومة" والمحاربين الآخرين، وقالت لهم إنّ الاجتماع المفتوح، في نظرها، قد طال بما فيه الكفاية، فدعتْ المحاربين لزيارة "الوقواقحة" لمواصلة الحوار والبحث في أفضل ما يمكن فعله. لكنّ المحاربين رفضوا القدوم إلى "الوقواقحة"، قالوا إنهم يريدون أن يتحاوروا فيما بينهم وليس مع الناس الآخرين. قال لهم "رابط الجأش" أن يفعلوا كما يريدون.
رأى البعض في "محفل القطلب" أن "رابط الجأش" و"تمشي قدمًا" لم يكونا حذرين بما فيه الكفاية. قالوا إن الناس الذين رفضوا الحوار والتوصل إلى اتفاق عليهم أن يغادروا الوادي وأن يذهبوا ليتحاوروا مع "أهل الكندور" الذين يتفقون معهم. فتشاجر هؤلاء الناس مع "رابط الجأش"، واشتدّ الجدال فيما بينهم، بينما وقف "المحاربون" على جنب يشاهدون وهم يهزّون رؤوسهم مبتسمين.
الجدال وآخره
قال "الباز يصرصر من سلسلعكمسلاش": "إن لم يريدوا أن يتحاوروا فعليهم أن يذهبوا، وإن لم يذهبوا فعليهم أن يُطردوا!"، فرفع عصا القطلب الذي يحمله بصفته متكلمًا.
فقال "رابط الجأش" وقد أخذته سَوْرة من الغضب: "إذا طردتموهم فستذهبون معهم، طارد مع مطرود، وضارب مع مضروب!"، وتقدّم مقتربًا من "الباز يصرصر".
قالت "تمشي قدمًا": "إنّ المرض ينطقنا".
كلهم سمعوا ذلك. طرح "الباز يصرصر" عصاه جانبًا، وساد الصمت للحظة طويلة. ثم قال "الباز يصرصر": "لقد ذهبوا".
قالت "تمشي قدمًا": "نعم، أظن أنهم يذهبون الآن".
قال "رابط الجأش": "قلتُ كلامًا لا يليق، كلامًا مريضًا. سألوذ بالصمت الآن لبعض الوقت". فنزل إلى النهر ليغتسل ويخلو إلى نفسه. وبدأ الآخرون ينزلون إلى النهر أيضًا، أو يعودون إلى بلداتهم تاركين "المحاربين" هناك، حيث كان الاجتماع، ناحية "أيكة الأحوار".
وفي اليوم التالي عاد "المحاربون" أيضاً إلى بلداتهم.
هكذا إذًا، انتهى ذلك "المحفل في الوادي"، فقد ذهب فعلًا، بلا مطرود.
لماذا كتبت هذا؟
بعض الرجال الذين كانوا يوماً "محاربين" ذهبوا بعد الاجتماع المذكور إلى بلاد "نهر الظلمات" ليعيشوا مع "أهل الكندور". ذهب منهم أربعة وعشرون رجلًا في ذلك العام، ثم ذهب المزيد في العام التالي، لا أعرف كم بالضبط. لم تذهب امرأة واحدة. كان في "سلسلعكمسلاش" امرأة قد ذهبت مبكرًا إلى تلك البلاد بصحبة أبيها الذي كان من "أهل الكندور"، ثم عادت بعد بضع سنوات. كتبتْ عن حياتها حتى تكشف عن هؤلاء الناس وأحوالهم. لا أظنّ أن كثيرا قد كُتب عن ذلك الوقت حين قدم "أهل الكندور" إلى الوادي وتأسّس "محفل المحاربين". كنت ما زلت شابًّا صغيرًا في اجتماع "وهاد الأحوار"، لكني فكّرت فيه كثيرًا طوال حياتي. نحن نتجنّب الحديث عن المرض عندما نشعر بأننا بخير: لكنّ هذا من المعتقدات الخرافية في نهاية الأمر. بعد التفكير بروية في كل ما قيل في الاجتماع، توصّلت إلى أن مرض الإنسان يشبه الفيروسات المتحوّلة والملوّثات السامة: حيث أنه سيظلّ موجودًا بين ظهرانينا بشكل أو بآخر، وقد يأتي من الخارج مع المتنقلين والمسافرين، فسيكون انتقال العدوى خطرًا دائمًا. ما قاله المصابون بهذا المرض صحيح: إنه مرض إنسانيتنا، وهو مرض مخيف. ومن الطيش أن ننسى "المحاربين" وكلَّ ما قيل في "وهاد الأحوار"، وإلا سنضطر إلى قوله وفعله مرّة أخرى.
بن كوربر
أستاذ مشارك في قسم دراسات اللغات والآداب الأفريقية والشرق أوسطية والجنوب آسيوية في جامعة راتجرز. صدر له “المؤامرة في الأدب المصري الحديث” (دار أدنبره الجامعية، ٢٠١٨)، كما ترجم رواية أحمد ناجي وأيمن الزرقاني “استخدام الحياة” (٢٠١٧). ستصدر له ترجمة لقصة قصيرة إيروتيكية قوطية مجهولة الكاتب تحت عنوان “قرون النحس الأعظم”.